أتأسّى باللغةِ حينَ أقرَأ الأدبَ وأصغِي للقَصِيدة.

‏إظهار الرسائل ذات التسميات حين أخوض التجربة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حين أخوض التجربة. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 22 سبتمبر 2021

مُيَسِّرة في صوت الشباب


 



" نحنُ نبحثُ عن صوت ..

أكثر هدوءًا، وأكثر قوة

أكثر عمقًا، وأكثر دقة..ودقة

أكثر فنًا ..

صوتٌ أكثر وصولًا وذكاءً

نحنُ نبحثُ عن .. صوتِ الشباب"


كانت هذه مقدّمة أحد إعلانات البرنامج التي أعجبتني نصًا وصورة.


برنامج صوت الشباب هو أحد برامج مؤسسة مسك الخيرية (مؤسسة الأمير محمد بن سلمان-حفظه الله) وإسهام من الإسهامات المعرفية التي تقدمها عناية بالاستثمار في الشباب السعودي فكرًا وخبرةً وقدرة.


تتمثل أحد الأهداف الجوهرية لهذا البرنامج في دفع الشباب نحو التعبير عن قضاياهم وقضايا مجتمعاتهم المحليّة بشكلٍ واعٍ وطرحٍ نوعيٍ فاعل.


وقد انطلق البرنامج في دورته الأولى من ثلاث مناطق هي: منطقة الجوف، ومنطقة جازان، والمنطقة الشرقية متمثلة في مدينة الأحساء مع إتاحة فرصة المشاركة للشباب في جميع مناطق المملكة العربية السعودية.


وعلى مدار أربع مراحل: تبدأ بورش تعليمية حول مهارات التواصل والإقناع ثم مرحلة الحوار كتدريب عملي للشباب لتوظيف مهارات الحوار وأنماط التفكير المختلفة لديهم -وهذه المرحلة التي سُعدت باختياري كمُيسرة فيها- تليها مرحلة تركز على مهارات التفكير النقدي لدى المشاركين وانتهاءً بمرحلة الإعداد للقاء صانعي القرار في كل منطقة من المناطق الثلاث.

 

مُيَسَّرة!

عندما أتمعّن في الكلمة، أدرك أني قبضتُ عليها أثناء ارتقاء مكتبتي، رفًا تلوَ رف، كتابًا بعد كتاب، إنها فضيلة الإنصات إلى الأفكار والاشتباك الهادئ معها، ومغبة التورّط في عمليّتين لذيذتين: القراءة والكتابة معًا. هكذا بدأ الأمر معي، ولا زال حتى الآن.

دوري كمُيسرة في البرنامج كان يقتضي ممارسة هذه المهارة التي أدّعي إتقانها " الإنصات " في مقابل السيطرة على لهف الحديث أو الإمساك بزمام الأمور؛ لأنّ جريانها على سجيتها بعد قذفي للحصاة (تقنيات الحوار ومثيرات الأفكار)  يضمن للمشاركين جلسة حوارية إثرائية ماتعة يشكلونها كيفما أرادوا.

أيضًا كان عليّ أنّ أرسي قواعدًا آمنة، تكفل لكل مشاركٍ حقَّ التعبير عن نفسه وأفكاره وما يودُّ طرحه، حق تقدير اختلاف سياقاته ومنطلقاته عن غيره.

وكم كان الأمرُ ممتعًا؛ فهأنا من جديد وسط طوفانٍ عارمٍ من التصورات والرؤى المتفاوتة والمختلفة، بعضها محطٌ للنظر والإمعان والآخر محطٌ للإعجاب والثناء ومع ذلك كنتُ أحاول الحفاظ على الحياد؛ لأني في نهاية المطاف مُيسِّرة! بكل بساطة، لقد كنتُ أفعلُ ما أجيده وأحبّه، وهذا يعني لي الكثير جدًا.


إنّ هذا البرنامج المميز إلى جانب غيره من البرامج الشبابية اليوم، باتت تخلق حراكًا ثقافيًا واجتماعيًا رائعًا وتسهم في تنمية القدرات البشرية من خلال تمكين الشباب وتجويد الأدوات التي يمتلكونها في سبيل مساهمتهم لتلمس احتياجات مجتمعهم في مختلف القطاعات وإشراكهم في عملية التخطيط وخلق الحلول التنموية المبتكرة.


 إننا اليوم بقيادة الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – نسعى لتوفير كافة الظروف والإمكانات التي تمهّد الطريق أمام جيل صاعد يكون جزءًا من الحل لا المشكلة. ويوظّف قدراته وطاقاته لتحقيق حياة كريمة ذات جودة له، فهو جيلٌ واثقٌ قادر- بعد تمكينه- على تكوين قنوات تواصل فعّالة بينه وبين الآخرين تدعم علاقاته الاجتماعية، وتعزز قدراته في التعبير عن نفسه وتطلعاته، وتحديد خياراته وتمرير مرئياته واقتناص فرصه.


ولا أجدُ ذلك إلا مصداقًا لما ترمي إليه رؤيتنا الطموحة 2030 في جعلنا مجتمعًا حيويًا جذوره راسخة وبيئته عامرة وبنيانه متين. مجتمعًا يراهن رهانًًا رابحًا على الإنسان أولًا ودائمًا.

 

 


الاثنين، 26 أبريل 2021

سنة ثانية ماجستير .. في الرياض

 



عتبة الدخول/

إن المخاوف في رأسي أكبر مما تبدو عليه في الواقع.



 

أخيرًا..أخيرًا، انتهت هذه السنة الدراسية الطويلة، طويلة جدًا بأحداثها وأعبائها.

الفصل الأول منها تجاذبتني فيه هموم الدراسة والمعدّل والتكاليف البحثية التي كانت أشق وأكثر عددًا من السنة الماضية، لكني حين أنظر إليه الآن  على بعد مسافة خمسة أشهر تقريبًا ومعدّل أرتضيه ولله الحمد، أجد أني صقلت مهاراتي البحثية فيه أكثر من السنة المنهجية الأولى، وأني وللأمانة الأخلاقية قبل العلمية "استمتعت" في كثير من مقرراته ونقاشاته، لولا كورونا-أباده الله وخلّصنا منه-الذي باعد بيني وبين زميلاتي وأساتذتي وفسحة التجارب والمغامرات الجامعية التي تبدّت في خيالاتي منذ صدر قبولي للدراسة في جامعة الملك سعود! طمعًا في تأثيث ذاكرتي بالغرائب والعجائب في الجامعة الجديدة! لكني الآن لا أحفظ منها غير فصل ونصف وملامح شاشة حاسوب أرّقتني وأرهقتني لساعات طويلة.

 





أما الفصل الثاني الذي تآكّلني فيه القلق من فشلي في كتابة خطتي البحثية أنا التي ما كتبتُ رسالة علمية قبل هذا الوقت قط أو الإنجاز الركيك غير المتقن، وحالة الضياع الأولى التي أعياني فيها البحث عن طرف الخيط الذي ما إن أمسكت به، انفرط -بفضل الله- على امتداد أسبوعين من البحث والاطلاع والكتابة والجهد المكثف في كلِّ ذلك، حتى انتهيت من خطتي البحثية فيما يقارب 30 صفحة ورقية.

حدث ذلك في الشهر الأول (6) من بداية الدراسة ثمّ طالت الإجراءات ولم يصدر الاعتماد النهائي لها من عمادة الدراسات العليا إلا في هذا اليوم المبارك الذي دفعني ببركته لكتابة هذه التدوينة. مرّ حدً الانتظار على صبري القليل مجرّحًا إياه حتى نفد، فصبرت بعدها من قلة الحيلة. والحمدلله أنها اعتمدت.

هذه قصة المتن، أمّا قصة الهامش (حياتي في الرياض)، فإني حين أتأملها الآن

أنظر إليها نظرة عُجبٍ وتعجب!

لأني في مثل هذا الوقت من السنة الماضية حين كتبت تدوينة(سنة أولى ماجستير .. في الرياض)

كان أول ما فعلته عند وصولي إلى منزلنا في مكة إلقائي بحقيبة السفر في أبعد نقطة في المنزل لا تصلها عيناي أو قدماي فوجودها يهدد أماني وراحة بالي.

اليوم حقيبة السفر في خزانة غرفتي، لا يبعدني عنها إلا المسافة الفاصلة بين فتح الباب وإغلاقه، هي نفسها المسافة بيني وبيني! بين نسختي القديمة التي ذهبت للرياض متعثرة بكل ما تركته خلفها من أهل وأصحاب وأماكن تعرفها وتألفها، ونسختي الجديدة التي بدأت بتأثيث حياة مستقرة في الرياض التي حفظت طرقها إلى حدٍ ما (فهي مجموعة مدن في مدينة) وصارت لي فيها أماكني المفضلة وقت راحتي أو انزعاجي أو رغبتي في تشتيت ذهني أو حتى الترويح عن نفسي. والأهم المكتبات التي أفضّل ارتيادها دون غيرها.






وهذا اعتراف صريح ومباشر أمام الأصدقاء الذين سيقرؤون هذه التدوينة أصحح فيه انطباعهم عن مشاعري تجاه الرياض التي كرهتها ابتداء، اليوم أنا أحب الرياض لأنها منحتني فرصة للتمدد والنمو ومواجهة الكثير من مخاوفي، ولأنها غدت مرآة أتلمّس فيها حقيقتي حين تجرّدت من محيطي والتصوّرات التي حفظتها عن نفسي بأعين الناس. في الرياض كنتُ عارية تمامًا من كل ذلك. في الرياض واجهتُ نفسي وقدّرتها.

ربما لو كانت مدينة أخرى غير الرياض، لوصلت إلى نفس النتيجة لأن العبرة في تجربة الابتعاد والاغتراب وكل ما تُسفر عنها كالتجرّد من حماية العائلة وسقف المنزل وحميمية وجود الأصدقاء.

في الانتقالات السكنية العديدة التي فرضتها عليّ الظروف، وفي قوائم المشتريات المنزلية التي بتُّ أعدها بذكاء، والميزانية الشهرية لمشاويري مع أوبر التي تصدرت قائمة مصروفاتي، فمتوسط المشاوير المعقولة في الرياض تأخذ من 20 دقيقة إلى نصف ساعة تقدّر بـ 80 ريال للمشوار الواحد للذهاب والعودة. والعزم معقود بالتأكيد لإصدار رخصتي في القيادة.

 ومع ذلك فإن الرياض تحديدًا تشبهني في مزاجي العمليّ المهووس بالإنجاز وعلامات الانتهاء من المهام، وزحمة أفكاري وتأمّلاتي الدائمة، في تقلّبي المستمر بين ذواتي التي يناقض بعضها بعضًا أحيانًا، كقيظ نهار الرياض المزعج الذي ينقلب في نهاية اليوم إلى جوٍ عليل وبرودة لطيفة، لنصبح على يوم آخر ضبابه من غبار وإلى غبار يتوسطه هطول مطر عذب، للرياض أيضًا وجهٌ قسماته هادئة وساكنة أحيانًا يشبه مزاجي الرائق وهو يدفعني إلى الخروج والمشي في طريق طويل لا نهاية له، أقلّب فيه طرفي وفكري، الوصول آخر رغباتي. مفتونُة أنا في المشي والتفكير.

 



عتبة الخروج/

أمتنَّ لوالدي كثيرًا لأنه يدفعني لمواجهة الحياة واستثمار فرصها متذرعة بشجاعة أستمدها منه.

الثلاثاء، 12 مايو 2020

سنة أولى ماجستير..في الرياض


 يبدأ معك كل شيء عندما تتقدّم!

 كل خطوة هي اجتثاثٌ من جذورك ونفيٌ عن أرضك المباركة، كلما ارتفعت ساقك عن الأرض تزداد ضربات قلبك، يتآكّلك خوفك من الداخلٍ شيئًا فشيئًا.
 تنظرُ تارة إلى موضع قدميك محاولًا تتبع خطواتك المستمرة والتي لا تتوقف، من أين لها هذه الشجاعة؟!
تارة أخرى تنظرُ إلى الأمام الذي تذهب إليه مستمرًا وخائفًا، وهذا القلق المستعرُّ في نظراتك وحده يملكِ القدرة على مساءلتك، محاسبتك، مواجهتك بأسئلة فجة وصارخة عن الجدوى؟ وعن القدرة؟ وعن ضماناتِ الوصول؟

لا زلتَ تخطو إلى الأمامِ، لا زلتَ تتقدم!
وأشياؤك وأشخاصك يتساقطون منك إلى الوراء، إنك تذهب لكنك وحدك ..

الغربة، أزعم أنها شيء يشبه ذلك يا أصدقاء.

 أو هكذا شعرت منذ الليلة الأولى التي بتُّ فيها في الرياض عندما تركني والدي هناك عائدًا إلى مكة، في إيذانٍ أوّل بأنّ كل ما سأعيشه لاحقًا نتائج وتبعات أوجدها قراري في الدراسة بعيدًا عن العائلة والصديقات.





حدثت أشياءُ كثيرة منها ما أذكر تفاصيله ومنها ما نسيته، لكن بالشعور أذكر جيّدًا وحشتي:

- في الليلة الأولى في سكن المغترباتِ، الذي يحرسُه حارسٌ لا أعرفه.
- في اليوم الأول الذي مشيتُ فيه وحدي من كلية الآداب حتى المكتبة المركزية وأنا أتذكرني محفوفة بالصديقات كل يوم مضى في جامعة أم القرى.
في المرة التي قررتُ فيها أن أعمل وأتحمل مسؤوليات استقراري وحياتي كاملة في الرياض.
         -في إجازة العيد الوطني التي لم تتسنى لي فيها فرصة العودة إلى مكة، فذهبتُ إلى مكتبة جرير في محاولة تجاهل الغصة التي شعرت بها، ليصلني اتصال من أخي تنهار معه كل دفاعاتي فأنخرط في البكاء(أنا لحالي هنا، أبغى أكون معاكم، أبغى أجيكم مكة).

كيف لمدينة كبيرة ومكتظة إلى هذا الحد أن تضيق بي؟ كيف اختنقت برغم رقة رياض بدر بن عبدالمحسن؟





كلّما نظرتُ إلى المرآة بعد ذلك، وجدتُ شيئًا فيّ يتغيّر، كنتُ كمن يعيد ترتيب الحياة بداخله ويحاول مرة تلوَ الأخرى اكتشاف مساحاتٍ أوسع وأرحب أبتكر فيها معانٍ جديدة لكلمات طالما بهتت من فرط تردادي لها( المسؤولية، المواجهة، الشجاعة، الطمأنينة، الحب، العائلة، الأصدقاء ...).

الشجرة كانت تكبر وتنضج على هذا النحو، أخيرًا استطاعت أن تتمدد بجذورها في أرضٍ مختلفة.

هذا شيء من ملامح الحكاية والحياة آنذاك، أمّا على مستوى المرحلة الدراسية أريد أن أطرح الأسئلة وإجاباتها في آنٍ واحد لأنّي أدركُ تمامًا بأن ذلك الشخص الذي سيأتي باحثًا عن إجاباتٍ تطمئنه وتهدهد مخاوفه وهواجسه في أحد لياليه الدراسية، يريدها واضحة، مباشرة وصريحة.






*ما الذي دفعك لإكمال دراستك؟ ولمَ لم تكن الوظيفة خيارك الأول؟

توظفت مؤقتًا في الفترة الانتقالية بين انهائي لمرحلة البكالوريوس وتقديمي على الماجستير، وكانت تلك الفترة حاسمة لخروجي منها ببعض القرارات والتي كان أولّها أني أنتمي للعالم الأكاديمي أو أحبّه بمعنى أدق، وأجد نفسي كثيرًًا فيه، احتكمت في ذلك إلى معيار قيمي الخمسة العليا والتي يأتي العلم تعلّمًا وتعليمًا في قمتها، ثمّ إلى اهتماماتي المبكّرة في القراءة والبحث وإعداد المواد العلميّة المكتوبة، وأخيرًا إلى معيار شغفي بتخصصي وتفوقي فيه بفضل الله، واعتقدت بعد الاستشارة والاستخارة أنّ هذا قد يكون كافيًا لأتقدّم بشجاعة للمجال الأكاديمي.

     * كيف كانت ليلةٌ اليوم الدراسيِّ الأول؟

كعادتي منذ 16 عامًا أمضيتها بلا نوم، وظللت أبحث عبر شبكة الانترنت عن مدونات أو قصص لأشخاص خاضوا تجربة دراسة الماجستير، حتى أطمئن قليلًا حين أعرف مخاوف من سبقني في هذه المرحلة وجدتُ بعض القصص المطوّلة، لكنّ أكثر ما وجدته كان في تويتر عبر وسم #أولى_ماستر #نصيحتك_لطالب_ماجستير_مستجد ولهذا كان قراري أني أيضًا سأكتب تدوينة أصف فيها تجربتي علّها تطمئن أحدهم يومًا ما.

* بعد مُضي ليلتك الأولى والعديد من الليالي الدراسية حتى إنهائك للسنة الأولى في دراسة الماجستير، هل وجدتِه صعبًا؟ وفي جامعة الملك سعود تحديدًا؟

لا. الحمدلله لم يكن صعبًا لكنه كان مُتعبًا ولا سعيَ دون جهدٍ وتعب. بالنسبة لجامعة الملك سعود تحديدًا، فأعترفُ أني كنت أملك تجاهها العديد من المخاوف من بداية تقديمي نتيجة ما كان يصلني عن ارتفاع معايير القبول ومعايير الدراسة العلمية، لكن تجاوزتُ كل ذلك بفضل الله و وجدتُ أني مؤهلة للدراسة فيها وكل مجتهد كذلك.

*كيف استطعت إذن توظيف وقتك لمواجهة ذلك التعب ؟ لأنّ أكثر ما يُذاع عن هذه المرحلة أنها تغرق الدارسين غرقًا لا ينجو معه وقتهم، فلا شيء سوى الدراسة.

صحيح هذا أكثر ما قرأته أيضًا في تويتر ليلة الدراسة الأولى وتخيّلتُ حينها أني لن أجد وقتًا أحكّ فيه شعر رأسي كما يقولون!
لكن دائمًا كان هناك وقت، ربما أيضًا لأني أدرس بعيدًا عن الأهل والأصدقاء مما يعني انعدام الالتزامات والمسؤوليات الاجتماعية وفائض كبير من الوقت، فكنتُ أجد وقتًا لإنجاز بحوثي وللاستذكار، وللتواصل مع الأهل والأصدقاء ومشاهدة التلفاز ..
وعلى كل حال أعتقد أنها مسألة أولويات ومفاضلة بين الخيارات، يحدد فيها الشخص الأهم فالمهم فالأقل أهمية، مع اضطراره أحيانًا للتضحية والتنازل المؤقت عن أشياء ذات أولوية.

*كيف كان تعامل أعضاء وعضوات هيئة التدريس؟

كما يكونون في كل زمان ومكان! منهم المرن والمتعاون والمتفهم لمخاوف الطلبة لاسيما في البدايات ومنهم من هو على العكس من ذلك يميل إلى الجمود وفرض أرائه الشخصية وتضييق نطاق التفكير والإبداع العلمي لدى الطلبة.
منهم من قدّم لنا نموذجًا رائعًا للشخصية الأكاديمية كباحث وكعضو هيئة التدريس ومنهم من كان دون ذلك.

مع ذلك كانت النماذج الجيدة غالبة الحمد لله.

* بعد إنهائك للسنة الأولى ماذا بقي لك؟ وما السمات المميزة لهذه المرحلة؟

بقي لي فصل دراسي واحد منهجي (أدرس فيه مقررات) وبعدها أبدأ في إجراءات تسجيل الرسالة ثم كتابتها بإذن الله.
السمات المميزة لهذه المرحلة بالنسبة لي كانت كالتالي:
-        قلة عدد المقررات مقارنة بالبكالوريوس( كل فصل دراسي فيه 4 مقررات).
-        جهد مكثف من البحث والقراءة لإعداد البحوث والمواد العلمية لعروض المقررات.
-        إن كانت المحاضرات الدراسية خلال يومين فلابدّ أن يكون اليوم الثالث لارتياد المكتبة لساعات مطوّلة، وإن كانت خلال 3 أيام فلابدّ أن يكون اليوم الرابع للمكتبة.

* هل اخترتِ موضوع رسالتك؟

لا، ليس بعد. وهذا أمر عادي وطبيعي جدًا حتى هذا الوقت.
لأنّ أكثر النصائح تكرارًا في بداية هذه المرحلة كانت(لازم تختاري موضوع رسالتك من بدري، لا تخلص السنة الأولى وانتِ ما اخترتي،...) وجملة من العبارات التي تعزز القلق وتجعلك تشعر بأنك لن تنال وثيقة التخرج إن انتهى عامك الأول قبل اختيارك للموضوع بل والمشرف!
كلما كان الاختيار باكرًا فهذا يوفّر وقتًا بل وجهدّا أحيانًا على الطالب، لكن مع ذلك فكل هذا الوقت من حقّ الطالب في التروي والاختيار حتى انتهاء فصوله الدراسية المنهجية تقريبًا.

أخيرًا كان شعار المرحلة بالنسبة لي:




عندما أطللتُ على هذه المرحلة من شرفة محمد عبدالباري
وجدتُها كما يقول:

ستجيء سبعٌ مرة فلتخزنوا.. من حكمة الوجع المصابر سكرا
سبعٌ عجاف فاضبطوا أنفاسكم .. من بعدها التاريخ يرجع أخضرا

والسبع العجاف دائًما ما يتلوهنّ سبع مورقات، فأتأمل.

السبت، 7 أكتوبر 2017

افتتاح آكام 3




عبّرت لي صديقة ذات مرة عن ضرورة مشاركة الأصدقاء حين تداعب أحد الأحلام خيالاتنا ، حين نقرر في لحظة عاصفة ترتيب أوراق الحياة المبعثرة بين أيدينا ، ولملمة شتات الأفكار والأمنيات.

لم آخذ الفكرة حينها على محمل الاقتناع تمامًا ، لكنني أومأتُ برأسي ربما مجاملة وربما على نحوِ ترك الفرصة لتجارب الحياة كي تثبت لنا ما قالته أو العكس ، بعد فترة ، جاءتني الصديقة وكأنها لا تريد لنا الانتظار ، فخلقت بنفسها أوّل تجربة مختلفة جاءت في مقام الاحتفاء بالأصدقاء ، في مقامِ المشاركة التي لا تقتصر على " العيش والملح " ولتكن الإنجازات والعثرات والنجاحات وأسرار المخاوفِ وما للثقة والإيمان من مساحات تجمع بيننا.

فكانت تجارب كثيرة أحدها " مشروع آكام " كبذرة أودعها الله بيدِ صديقتي خولة وعلى نحو ما شاء في أقداره كنتُ أنا وصديقات أخريات قائماتِ على ريّ تلك البذرة حريصاتٍ على نموها شاهداتٍ على لذة حصادها.

آكام كان حُلمها وحدها حلمًا باعدت المخاوف بينها وبينه قبل أن يُخلق كاملاً ، ثمّ ها هو اليوم يكبرُ موسمًا فآخر بسعينا جميعًا ، ويكون في عمرِ الكثيراتِ تجربة ، فريدة ، تختلفُ مكاسبها.
آكام هو مشروع نستهدفُ فيه الفتيات في المرحلة المتوسطة والصف الأول الثانوي ، لمساعدتهنّ في التعرّف على مسارات الحياة ( الروحي ، الاجتماعي ، الثقافي ، الصحي ، المالي ، المهاري ) من خلال مجموعة من الفعاليات المتنوعة والتي تُكسبهن القدرة على تحقيق النمو المتوازن في كل هذه المسارات واكتساب مهارة التعلم الذاتي فيها.

اليوم 17 / 1 / 1439هـ  كان افتتاحُ الموسم الثالث من آكام
ومذ بدأنا آكام بموسمه الأول غدت أصباحُ السبتِ أثيرة لدي ، كيف لا وهي ميعادي مع وجوهٍ طيّبة يطفرُ الحماس من عينيها ، مع أرواحٍ أشعر بقربها مني على نحوٍ لا أستطيع التعبير عنه بدقة ، غيرَ أن غاية ما أرجوه لها أن تحقق انتصاراتها العظيمة على نفسها ، وتنجو من مهالكِ الحيرةِ التي لا يفلتُ منها من أعجزتهُ مفترقات التّيه ، وأعيته أفاق العالم المتصاغرة بعينيه ، غير أنّ غاية ما أرجوه لتلك الأرواح أن تعيش تجربة مميزة وفارقة في رحلةِ العمرِ الممتد إلى أقصى ما تستطيع الوصول إليه حين تعرف ما تريد وتؤمن بالغاياتِ البعيدة ، القريبة.

آكام جمع أكمة وهي تعني " التل المرتفع " تم اختيار هذا المسمى لغرابته وجماله ورمزيته المتعلقة بالتميز على مستوى الأقران.

في افتتاحية الموسم الثالث اليوم اجتمعن والدات المشتركات برئيسة جمعية واعي للتوعية والتأهيل الاجتماعي د. فتوحة الأندونيسي والتي حرصت على تبصيرهنّ بفكرة البرنامج وأهدافه وكل ما يتعلق بمصلحة المشتركات ، أمّا نحن كفريق عمل فقد قضينا الوقت مع المشتركات الجميلات حيث تمّ التعارف بيننا في أجواء مرح ممتعة ، ثمّ حرصنا على تعريفهن بالبرنامج وأهدافه ، وطريقة العمل والانجاز في المسارات طوال فترة البرنامج ، واستضفنا مشتركتين  مميزتين من مشتركات الموسم السابق ( الشيماء الشهري ، منار الأحمدي ) حتى يستقين التجربة ممن عشنها وكيف أثّرت عليهنّ واستفدن منها.


أخيرًا آكام ليس لهنّ فقط آكام لنا نحن أيضًا كفريق العمل وربما ما نخرج به من آكام من ثراء التجارب والاستمتاع بها مع مرحلة عمرية هامة كهذه هو أضعاف ما نستطيع منحه لهنّ ، لذلك شكرًا لكلّ من لا يكون آكام إلا بها ، شكرًا للأصدقاء الذين نتقاسم معهم تفاصيل الرحلة بما يشقّ قبل أن يطيب على خارطة السعي وناصية الحلمِ و وسط شتات الأفكار.

الثلاثاء، 29 أغسطس 2017

التدوينة الأخيرة في أقرأ 2017



طالما كانت النهاياتُ إحدى مخاوفي ، أخاف آخرَ كل شيء ، اللقاء الأخير ، الكلمات الأخيرة ، الالتفاتة الأخيرة ، والعناق الأخير"

وها أنا أمسك بالصفحة الأخيرة من تجربتي في ملتقى أقرأ الإثرائي ،وأكتب التدوينة الأخيرة عنه وفيه،  الملتقى الحلم بذاته والبوابة إلى غيره من الأحلام .

الحُلم الذي اعترض طريقي فجأة دون تخطيط أو سعيٍ مسبق ، ولكنها هدايا الله وهباته ، تتفوق حتى على أقرب أمنياتنا وأكبر نطاقات خيالاتنا.

أُهدي هذه التدوينة إلى الحياة القصيرة التي عشتها هُنا إلى المرة الأولى من كلّ الأشياء ، إلى الأشخاص الذين لا يشبهون غيرهم والأوقاتِ التي مضت متعجلة قبل أن أمتلئ بكل شيء.

شكرًا لفريق العمل لكلّ فردٍ فيه ، لهم هم الذين كانوا يعتنون بأدقّ تفاصيل المكان حتى يبدو كل شيء بهيًا وزاهيًا ، يليق بأقرأ يليق يـ I read ، شكرًا على الروح الواحدة التي تفرّقت بينهم بنفس القدر من الحب والسماحة والتفاني في العطاء.

شكرًا لهم ثانية لأنّهم استطاعوا الحصول على " مصباح علاء الدين " كيف ومن أين لا أدري. لكنّه كان لديهم. أنا متأكدة

فقد كنّا في مواعيدٍ مختلفة مع الدهشة والمفاجآت ما تمنيناه يومًا وما لم نتمناه.

منذ فترة أفكّر في اقتناء حاسوب جديد واكتشفتُ وجود نفس الرغبة عند غيري من المشتركات ، فكانت دهشتنا الأولى هُنا أنه كان هدية استقبالنا فور دخولنا إلى غرفنا

تعبر إحدانا في حديث عابر - غير مقصودٍ تماماً - عن رغبتها في تواجد " مأكولات خفيفة " في الاستراحة ، لتفاجأ بوجودها في اليوم التالي حاضرة أمامها.

أركز في المحاضرة التي يقدمها أحد الأساتذة ثمّ التفتُ يساري فجأة لأجد أحد الشعراء الذين أهتمّ بما يقدمونه يدخلُ إلى القاعة فأًصاب بالدهشة

وفي نفس اليوم مساء يدخلُ أحد المثقفين الذين طالما تابعتُ أطروحاتهم عبر " اليوتيوب " إلى القاعة فأصاب بدهشة تحوّلهم إلى واقعٍ أمامي.

تصلنا فجأة رسالة نصية بضرورة تواجدنا في الاستراحة ، ننزل على عجلِ لنكتشف بأننا على موعد مع إحدى مدربات " اليوجا "ٍ

نسافر الأحساء في رحلة استكشافية تاريخية ثرية ، نذهب إلى جمعية الثقافة والفنون لنحضر عرضًا مسرحيًا ، يغيّر تصوراتنا عن الفن المسرحي بشكلٍ جذري

نتعرّف على مجالات عديدة من المعرفة ضمن  اهتماماتنا وخارجها الفنون والآداب باختلافها شعرًا ورواية وقصة قصيرة وموسيقى وسينما ومسرح وغيرها من الموضوعات كالفلسفة والعمارة والأسطورة والخرافة والفانتازيا والأكوان المتوازية والعوالم المتعددة ، فتتسع آفاق الحياة في أعيننا وندرك ضيق المساحات التي نقف فيها وعليها.

يُشرف علينا نخبة من الرائدات والروّاد المتميزين ، فضّلهم الله بتجارب حياتية وقرائية زاخرة ، ورؤى فكرية مختلفة وفريدة ، أمسكوا قناديل الطريق لنا طوال الرحلة ، وبهم ازاداد ثراء التجربة ، وتضاعف نمونا.

كانت هذه هي مرتي الأولى في التواجد في المنطقة الشرقية ، ومرتي الأولى في مقابلة العديد من المثقفين والمثقفات في لقاءات ثرية طالما تمنيتُ حضورها ، مرتي الأولى والفريدة في دخول مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي والوقوف على وسائط المعرفة التي سيبدأ نشاطها فيه، كانت مرتي الأولى في الذهاب إلى المكتبة برفقة صحبة تفهم طقوسي الغريبة في القراءة وفي اقتناء الكتب بل وتشاركني إيّاها ، صحبة لطيفة لم أحتج لوقتِ طويل حتى أِشعر بأني جزءٌ منهم ، أني وبشكلٍ ما أعرفهم منذ زمنٍ طويل وفي مواقف عديدة ، كنّا عائلة أٌقرأ 2017.

وفوق كل ذاك الثراء كان لكلٍ واحد منّا انتصاره الصغير الخاص ، منّا من تغلّب على خوفه في الصعود على خشبة المسرح ، ومنّا من استطاع التعبير عن أحد أفكاره بنصٍ كامل لأول مرة ، منّّا من استطاع أن يخلق علاقاتٍ جيّدة كثيرًا ما فشل في خلقها ، ومنّا من استطاع الخوض في حواراتٍ مختلفة والتعبير عن رأيه الخاص فيها فضلاً عن إحاطتنا بثقافات بعضنا البعض القادمة من مختلف مناطق المملكة.

اليوم هو يوم العرض النهائي لنصوصنا أمام لجنة التحكيم ، حاولتُ أن أبقى هادئة قدر ما أستطيع ، فإن كان ولا بدّ من حلول النهاية فلتكن كما أريد لها أن تكون ، رائعة وباعثة للرضا فيّ ، نزلت بالمصعد ، ومررتُ بالصالة ثم جلستُ في انتظار دوري بوجود أستاذة سارة وأستاذة عايدة وزميلتيّ أمينة وحفصة والأستاذ فايز ، خف توتري  بوجودهم وبكلمات أستاذ فايز الداعمة والواثقة ، حان دوري ، اتجهتُ إلى منصة المسرح ، ثبتّ اللاقط ، ألقيتُ السلام وبدأت ، ألقيتُ النصّ الذي انهمكتُ الأيام الماضية في إعداده ، النص الذي كنتُ أرغب كتابته منذ فترة طويلة ولم أجد فرصة مناسبة ، النص الذي يعبّر عن مروري بتجربتين إنسانيتين أثرتا فيّ كثيرًا وأردتُ التعبير عنهما ، وانطلقتُ فيه من عبارة سجلتها ذات مرة على هامش رواية " رام الله " لمريد البرغوثي فكتبت " ما الذي يعنيه أن يكون المكان مكانك وألاّ يكون كذلك ؟ "

فكانت هذه العبارة أمّ النصّ وابنته ، وبعد انتهائي منه واجهتُ أسئلة اللجنة ثمّ وأنا في طريقي للخروج كان انتصاري العظيم هو علامات الاحتفاء التي رأيتها مرتسمة في وجوه الرائدات والروّاد ، أكفهمّ الممتدة تقول : لقد أبليتِ بلاءً حسنًا.

شكرًا أستاذ طارق

شكرًا أستاذ فايز

شكرًا أستاذ فيصل

شكرًا أستاذ تميم

شكرًا أستاذ ياسر

شكرًا أستاذ نوري

شكرًا أستاذة مريم ، شكرًا أستاذة حنان ، شكرًا أستاذ عبد العزيز ، شكرًا أستاذة عايدة ، شكرًا أستاذة وضحى ، شكرًا أستاذة نوف ، شكرًا أستاذة لبنى ، شكرًا أستاذة شيماء ، شكرًا أستاذة منيرة ، شكرًا أستاذة أسماء ، شكرًا أستاذة ياسمين ، شكرًا أستاذة شروق ، شكرًا أستاذ عمر ، شكرًا حتى يبلغ شكري منتهاه بالدعاء بأنّ يجزيكم الله عني خير الجزاء.

شكرًا أستاذة سارة منذ اليوم الأولِ حينما كنتُ في مكة في غرفتي ثمّ فتحتُ هاتفي النقّال لأجد " مجموعة الواتساب I read المرحلة الجامعية " التي أنشأتها بحماسة حتى أستوعب أنّ الحلم غدا حقيقة واقعة ، منذ لم تسمحي بالحواجز بيننا أن تكون ، فلا أنتِ الرائدة ولا نحن القارئات الصغيرات وإنما أنتِ أختنا وكلنا معينٍ يستفيد من الآخر ، شكرًا على احتمالكِ المُحِب  لكلّ التّعب الذي أثقلتُ به عليكِ عند كتابة النص والتدريب عليه ، وعلى إنصاتك المهتم بهواجسي ومخاوفي ، شكرًا على الإيمانِ والثقة ، شكرًا لأنكِ كنتِ أجمل مما توقعنا والحمد لله عليكِ وأحبكِ 

وأخيرًا ها نحنُ نحزم أمتنعتنا الكثيرة بما جاد علينا به المكانُ هُنا ، أمتعتنا التي جئنا بها ، ومعارفنا التي اكتسبناها ، كتبنا التي اقتنيناها ، وانتصاراتنا الصغيرة التي حققناها

ونأخذَ كلّ الشيء إلا المكان ، إلاّ أشخاصه وأشياؤه ، نأخذ كل شيء إلاّ بعضنا ، هكذا نتبعثر ونعودُ من حيث أتينا وكأننا ما التقينا.

وها هي النهاياتُ تحلّ كأحد مخاوفي الأصيلة أتناول فطوري هنا لآخر مرة ، أغلق باب غرفتي لآخر مرة ، أمشي في الرواق حتى آخره لآخر مرة ، وأفعلُ الأشياء كلها لآخر مرة إلاّ الالتفاتة الأخيرة ، التي تُراكم الغصص في حنجرتي  والدموع في عينيّ أتجاهلها ، وأمضي ، أسرع في خطواتي ، وأهرب من كلّ ما يشدني إلى الوراء . وداعًا آلّ المكانِ سلامًا على أرواحكم وانتهى كل شيء



الجمعة، 25 أغسطس 2017

المكتبة في أقرأ 2017

" إلى من قطف الكلمة من شتى حدائق المعرفة ولم تكفيه ، رحلة في البستان لعلها ترضيه "
وصلني بريدي على جناح حمام الدهشة الزاجل ، حمام أقرأ ، حمامُ الحُلمِ الذي لا زلتُ ارتوي من كفيه ، وبكل البهجة أقلّب ناظريّ في تفاصيله الماثلةِ أمامي ، ما تخيّلته ذات يوم وما لم أتخيّله حتى اليوم.

جنّة القارئ في الأرضِ مكتبة ، لا يهمّ اسمها ولا مكانها ولا حجمها ولا عدد الكتبُ بها ، يكفيهِ أن يدخل إليها ، أن يُصاب بالدهشة أمام الأبجدية الواحدة التي يحفظها جيّدًا ، ولكنها ومع كلّ رفّ وفي كلّ كتاب تمنحهُ فضيلة إدراكِ أنه لم يعرف شيئًا ، لا يعرفُ شيئًا ، وسيعرفُ أشياءَ كثيرة.

دخلنا إلى جنة المتنبي ، مكتبة المتنبي ، إحدى المكتبات العظيمة في مدينة الدمام ، دخلنا إليها جمعًا ثمّ صرنا أشتاتًا وكلٌ في فلكه يسعى ويبحث ، كلّنا كان ذاك القارئ العاجز ، التائه ، العاجز أمام كلّ هذه المعارف والعلوم ، العاجز إذ يغرق بينها وهو يُدركُ جيّدًا أنّ هذا الغرق هو احتمال نجاتِه الوحيد ، التائه إذ يمتدّ بصره في كلّ الاتجاهات ولا يدري من أين يبدأ وإلى أين سينتهي.

كلٌ كان يُمارسُ طقوسه الخاصة دون أن يشعر أنه نتوءٌ شائهٌ في وجه العالم ، فالكلُّ حولك يعرف أنّك قارئ ، لا تحتاجُ لنظارتين تثبتان أهليّتك لممارسة طقوسك في اقتناء كتابٍ ما ، الكلُّ حولك يفهم سبب صرخة الاحتفاء المفاجئة التي تُطلقها لتعبّر عن عثورك عن كنزك الخاص ، ذاك الكتابُ الذي أمضيت وقتًا طويلاً في البحث عنه ، ثمّ هو وبكل زهوٌ يتجلّى بمكرماتهِ عليك إذ تجده ، الكلُّ حولك يقدّر تصرفك العاديّ جدًا إذ تُمسك كتابا وتقلّب صفحاتِه سريعًا بمحاذاةِ أنفك حتى تنتشي برائحته وهي تنتشر رويدًا ، رويدًا في صدرك ، والكلُّ حولكَ سيصرخٌ مغتبطًا بإنجازك العظيم لأنّ حصيلتك من الكتب تجاوزت ميزانيتك وقدرتك المالية ، لن يوبخك أحدٌ منهم بدعوى التبذير وإضاعة المال ولكنك حتمًا ستكون مستهدفًا ، ومحط أنظار الجميع أيُّها القارئ الثريُّ بما تملك ، الغنيُّ بكتبك.

وإذا كانت جنّة القارئ مكتبة ، فنعيمهُ فيها أنّ يكون الكلُّ حوله مشابهون له في عاديّته ، يقدّرونها ، يفهمونها ، وتكون كل صرخة دهشة يُصدرها أحدهم مقطوعة يكملها الآخر دون أن يمرّ صمتُ اللادهشة ، كنشازٍ يُفسدُ كل ذاك النعيم.

كان اقتنائي  لديوان الأهلة للشاعر محمد عبد الباري تحيّة دخولي إلى تلك الجنة وحينَ تجاوزت كتبي الميزانية المسموحة كان لزامًا عليّ الاستنغناء عن بعض الكتب ، ففعلتها وأنا أتوجّع وأسأل الله العوض فيما استغنيتُ عنه ، وكان آخر كتابٍ أبقيته بحوزتي هو العمل التطوعي بين الواقع والمأمول ، لتكون حصيلتي مزيجًا بين الأدب ( رواية وشعرًا ) والمعارف المتعلقة بتخصصي ( علم النفس والمعارف الاجتماعية ).

خرجنا من تلك الجنة متّجهاتِ إلى " مكتبة القهوة " أحد المقاهي لنتممّ صورة القارئ الذي يحمل بإحدى يديهِ كتابًا وبالأخرى كوبًا من القهوة والمتعة.
تجربة تواجدي في أقرأ هي إحدى تجاربِ العُمرِ الذي يمنحنا نُضجًا لا يتأتّى بغيرها ، في أقرأ عرفتُ أنّ القارئ شخصٌ عاديٌ جدًا ميزتُه الفريدة أن يعرفُ أنه لا يعرف وقدرته الخارقة الوحيدة أنه لا يحتاجُ كتابًا ليقرأ ، ولكنّه يُجيدُ الولوج إلى العمق الكامن خلف الأشياء وفي قلب العالم ، يُتقن حرفة صناعة التأويلات المتعددة لكل ما يقرؤه ، وتستثيرهُ كلّ علامات الاستفهام للبحث عن إجاباتها المحتملة.


الثلاثاء، 22 أغسطس 2017

فعلُ الكتابة في أقرأ 2017


" أعتقد أنّ الكتابة ليست فعلاً سهل التطويع ، إلى حدّ أن يكون زادك الوحيد فيه هو موضوع نهبك إياه لتقبض عليه بيديك ، وليست فعلاً سهل التطويع حتى يتجلّى لك الموضوع بين طرفين ، بين استفهامين ، بين الدجاجة والبيضة ، بين الشاعر والموسيقى.
فعلُ الكتابة لا تطوّعه محاولاتك المستميتة ، ولا رغبتك الهزيلة ، فالكتابة هي احتشاد مشاعرك وتدافع أفكارك ، هي ألا تجد حيلة تخفف وطأة هذا الاحتشاد والتدافع غير أن تمسك قلمًا وتتدفّق على ورقة "

كان هذا إحدى نصوصي لفقرة " لُقيا الصباح " الفقرة الصباحية التي يُعرض فيها أحد النصوص الأدبية ، ويُطلبُ منّا التعليق عليه إمّا بالنقد مثلاً أو الإكمال أو الرد أو كيفما كان توظيفنا للفكرة ، فالمهم أن ننجح في التغلب على بياض الورقة المُربك ، وأن تتمرس أقلامنا في سعيها من سطرٍ إلى آخر تواليًا خلال 10 – 20 دقيقة ، وأن تكتسب أفكارنا لياقة التواردِ متى استدعيناها.

وأرى أنّ لهذه الفقرة فاعليتها بالنسبة لي ، أنا التي لم أتصالح قط مع الكتابة تصالحًا كاملاً ، أعقدُ معها فتراتٍ من الهدنة وحين أعتقدُ أنّ كلّ شيء يسير على ما يُرام ، وأنّ لهذه المدوّنة بين أيديكم أن تحصلُ على أمانِ إثرائها بين الفينة والأخرى ، ثمّ وفي منتصف الطريق ، يسقطُ القلمُ على الأرض ، وأفقد لياقة الانحناء لالتقاطه ، ويأبى بياض الورقة إلاّ أن يكونّ بياضًا فجًا غير قابلٍ للسعي ولا للمرور عليه. ثمّ بكلّ بساطة تنتهي الهدنة.
ومن الواضح الآن أنّ الهدنة في منتصفها ، وأضمن استمرارها إلى وقتٍ طويلٍ إلى حدٍ ما ، بفضل تجارب الكتابة التي أخوضها في ملتقى أقرأ ، ففضلاً عن فقرة " لُقيا الصباح " هأنذا أكتبُ التدوينة السابعة خلال شهرٍ واحدٍ بعد انقطاعي عن الكتابة مدة سنة كاملة.

وهذا لرغبتي في الحفاظ على تفاصيل التجربة بوجودي في أقرأ ، فذاكرة الورق لا تشبه ذاكرتي العصيّة ، القصيّة ، ذاكرتي التي تقرر كثيرًا أن تحتفظ بانتصاراتي في أحلك زواياها ، فأضيع قبل أن أستدلّ على الطريق ، ذاكرتي التي تغتالُ وجوهُ العابرين اللطفاء متى احتجتُ حضور أطيافهم ليبددوا خيبتي بالبعض حولي ،  ذاكرتي التي تقرر أحيانًا أن تحتفظ بأوجاعي وهزائمي حاضرة لكن بعيدة حتى لا تطالها يدُ النسيان وتأخذها بذنب الوأد، تلك ذاكرتي التي لا أثقُ بها ، أما ذاكرةُ الورق لا تخوننا أبدًا ، الأمرُ يُشبه كتابة المذكرات ، كعادة تحفظُ عقودَ العمر الواحد المنبتّ ، وتجاربهُ الثريّة خيبة وبهجة ، حقيقة تثبتَّ للقادمين من بعدنا أنّا كنّا يومًا هنا.

أحبُّ أن أكتب ، وأهابُ أن أكتب ، وأريدُ أن أكتب ، وأهربُ إذ جئتُ أكتب ، فرصة ثالثة يهبي إيّاها الملتقى حتى لا تكون أسطري مستقبلاً مضطربة كهذا السطرِ الذي لم يعرف بعد موقفي منه ، أأحبه أم أهابُه ، أأريدهُ أم أرفضه.
فبعد الغد سنسلّم نصوصنا النهائية التي سنقدمها في نهاية الملتقى كتعبيرٍ عن أكثر الأفكار التي تنتمي إلينا ، عما نريدُ الإفصاح به أمام الآخرين ، كتبتُ نصًا أولاً لم أرضَ عنه ، لُغته باهتة ، وخدوشه كثيرة ،  فركنتُه جانبًا وبدأتُ من جديد ، أنهيتُ النص الثاني ، ولا أدري كيف سيكون وقعهُ على الحضور ولجنة التحكيم ، لكن يكفيني أني وضعتُ النقطة الأخيرة فيه ثمّ اتكأتُ على الكرسيّ وأومأتُ برأسي قائلة : تبدو جيّدًا كفاية لتخرجَ إلى النور.

أخيرًا قالت رضوى ذات يوم تعبيرًا عنها ، وعني " أكتب ما لا يرضيني ، وما يرضيني يفوق قدرتي على الكتابة "
لا أعدُ أحدًا بأنني سأكتبُ دائمًا ، لا أستطيع حتى أن أعد نفسي ، ستظلُّ علاقتي بالكتابة إلى أجلٍ غير مسمّى ،  هي محاولاتي في أن أكتبُ سطرًا / نصًا واحدًا أتخفف به وأرضى عنه.

الجمعة، 18 أغسطس 2017

الثراء في ملتقى الإثراء




إحدى أمنيات القراء المتكررة هي مقابلة الكتّاب ، كاتب مفضّل أو كاتب ذكي في طرحه أو مبدع في أسلوبه ولغته، أو كاتب يمتلك إجابات سلسلة التساؤلات التي تتخلّق فينا إثر قراءة نصوصه.
لكن ما الذي يحدث عندما تنقلبُ الآية ، فتتحقق الأمنية قبل أن تتمناها وتضعها في قائمة طويلة لا ضمان أو شروط ليستحيل ما فيها إلى واقع ، أن ترى الكاتب – قبل أن تعرفه - أمام عينيك ويحوم قريبًا منك في الأرجاء ، يتحدث فتُعجب بما يقول ، وتستمتع بما يطرح ، وتجلًّ منطقه في التفكير وتصفّق لأفكاره التي تُلامسك.
ثمّ تكتشف أنّه كاتب ولأنّك قارئ تلح عليك الآن حاجتك في أن تقتني كلّ كتبه ، وتقرأها في نفس الوقت وتناقشه في مضمونها وقد تطلبُ توقيعه كذكرى عظيمة تحتفظ بها ضمن أسرار مكتبتك تشهدُ على الأمنية التي تحققت قبل أن تكون أمنية.
هُنا تحديدًا أصفُ ما شعرتُ به بعد معرفتي للأستاذ محمد آيت حنّا المغربي كأحد الأساتذة القائمين على ملتقى أقرأ ، قدّم اليوم لقاء ثريًا عن علاقته بفعلي القراءة والكتابة من خلال طرحه لأفكار مؤلفه الذي يحملُ عنوان " مكتباتهم " والذي قررتُ فعلاً اقتناءه بعد انتهاء الملتقى لكن وببالغ الأٍسف لن أحظى بتوقيعه.
وهو يتحدث في الكتاب عن المكتبات الخاصة لبعض القراء كابن سينا والجاحظ وابن بطوطة وكيليطو وأفلاطون وغيرهم ويخلق فكرة جديدة استلهمها من نظام مكتباتهم ورؤاه الخاصة.
وقد أكّد الأستاذ محمد في دوره كقارئ على ضرورة حالات الانفلات التي تحدث لقارئ أثناء قراءته ، عندما تتعدد الأصوات والمشاهد في رأسه وقد تكون في غير سياق قراءته ، ويشبّه الأمر ، بفظاعة أن تشاهد فيلمًا فتكون منهمكًا بقراءة الترجمة كلمة كلمة وتركز في الأحرف حرفًا حرفًا ، فتضيع منك متعة المشاهدة وعيشها ، وهكذا يرى فظاعة أن تركز في النص المقروء بأحرفه ونقاطه وتشكيله وتتجاهل عوالم التأويلات والحياة التي يمكن أن تتجسد في ذهنك.

وفي حين دار في خلدك أن تستخدم  تلك العوالم المتخلقة في ذهنك لتمارس الكتابة ، كتابة خاطرة أو نص أو ربما قصة قصيرة.
لا داعي لأن تتخبط بين جدران حيرة البدء وترتاب من تساؤلات الكتابة ، ففي ملتقى أقرأ ، يحسبون كل شيء بدقة ، قليلاً ما يخطؤون في تبديد حيرتك أو إخماد وهج تساؤلاتك دون أن يدلوك على اتجاه الطريق في أقلّ تقدير ، وقد جاء بعدها الأستاذ خالد الصامطي كاتب القصص القصيرة ، ليحدثنا عن ماهيّة القصة القصيرة وعناصرها وتجربته في كتابة القصص ، وأجاب عن تساؤلاتنا فيما يخص هذه النوع الأدبي وفيما يخص ممارسة الكتابة.

ولأني لم أقم بالتدوين يوم أمس ولا قبله ، فسأطرحُ هنا نبذة بسيطة عما فعلناه في اليومين الماضيين.
بالأمس فُتح أمامي كتابُ التاريخ  الذي درسته منذ المرحلة الابتدائية وحتى الصف الثالث متوسط تقلبت صفحاته، وتذكرتُ إخفاقاتي المتتالية في تحقيق نتيجة مرضية في هذه المادة.
أعتقد لو كانت علاقتي مع التاريخ أفضل من ذلك ، لكنتُ أكثر استمتاعًا وفهمًا لرحلة الأمس التي ذهبنا فيها إلى مدينة الأحساء.
فكانت أول زيارة لنا في بيت المُلا = بيت البيعة وهو البيت الذي نزل فيه الملك عبد العزيز – رحمه الله – عندما قدم لمبايعة أهل الأحساء.
ثمّ ذهبنا للمدرسة الأولى في الأحساء التي أطلق عليها بعد ذلك بالمدرسة الأميرية نظرًا لكثرة الأمراء الذين درسوا فيها كالأمير خالد الفيصل وأحد إخوته ، ما كان يُميّز تلك المدرسة أنّ مدرسوها كانوا يقومون بهذه المهنة النبيلة دون مردود مادي وابتغاء وجه الله فقط ولمّا علم الملك عبد العزيز – رحمه الله – بأمرها زارها وقرر أن يلحقها بمدارس المملكة النظامية.
ومن الأمور التي تستحق الذكر أنّ راتب المدير فيها آنذاك كان 100 ريال والفرّاش 12 ريال وما بينهما الوكيل والمعلمون.
ثمّ ذهبنا إلى جبل قارة كأحد المعالم التاريخية السياحية الموجودة في المملكة التي يتراوح عمرها من 23 مليون إلى 5 مليون سنة ويرتفع بمقدار 225 مترًا فوق سطح البحر ، ومن الجدير بالذكر هنا أنّه يُمكن أن تعيش قصّة " علي بابا " ومغارة الكنز التي تواجد اللصوص فيها كحقيقة ، فالمغارة الموجودة هنا توفر إمكانية مثول الخيال كواقع ، بممراتها الضيقة وحجارتها المتماسكة والساقطة لتسدّ عليكَ الطريق ، غير أنّه لن تلدغك حيّة هنا ولن تفزع من كثرة الخفافيش ، فالمغارة خالية تمامًا من كل الحيوانات والحشرات.

أمّا فيما يخص قبل الأمس فقد كان الحديث بحضرة الأستاذ محمد القاسم عن الأكوان المتعددة واحتمالية أن يكون هناك نسخة أخرى منك في عالمٍ موازٍ آخر ، لها نفس قدرك وحياتك أو العكس من ذلك  والذكاء الاصطناعي والتعامل مع هواجس السؤال : ماذا لو تفوّقت الآلة على الإنسان الذي ما فتئ يبحث عن أسباب راحته وهنائه بصناعتها وتطويرها وبرمجتها ؟
ثمّ قدّمت لنا الأستاذة نورا النومان لقاء عن أدب الفانتازيا والخيال العلمي والفروقات في طرح كلٍ منهما في الساحة الأدبية فالفانتازيا مثلاّ هي الخيال المحض الموظف في الأدب والخيال العلمي هو ما يستند على أسس ومنطلقات علميّة بالفعل لكن بتوظيفها في سياقات الخيال ومستويات التطور فيه، وعبّرت عن كونها كاتبة فانتازيا موجهة لليافعين محاولة إثراء هذا المجال لما وجدت فيه من شحّ خلال تجربتها في اقتناء بعض الكتب العربية لأبنائها.

وأخيرًا إذا ما سُئلتُ عن مجال المعرفة التي أستقيها هنا سأجيب : أني آخذ من كل بحر قطرة ومن كل بستان زهرة ، ملتقى أقرأ يهبني المفاتيح ، وأقرر أنا البحث عن الأبواب واستكشاف ما خلفها.
كم تجربة كملتقى أقرأ يُمكن أن يعيش الإنسان في عمره الواحد ؟ وبما أني لا أملك الضمان في الإجابة.

أكتفي باعتقادي بأنّ العمر الواحد ، تُثريه تجربة ملتقى أقرأ واحدة، وها أنا بفضل الله أعيشها.